الأحد، 4 يناير 2009

قصة قصيرة : القبلة الأخيرة


ابنتى – كم أحبها .. قرة عينى .. أشاطرها الفرح و الحزن ,, نلعب معا ,, نصلى معا .... كلما احتضنتها انتعش قلبى و فكرى ,,, إذا ما ضحكت ابتسمت لى الدنيا و متى بكت اضطربت نفسى .... و فجأة و فى إحدى الليالى ذهبت إلى غرفتها لاطمأن عليها و لكنى لم أجدها .... بحثت عنها فى الصالة .. فى المطبخ .. تحت السرير .. جوا الدولاب ... مش لاقيها برضة _ خرجت باحثا عنها فى الجوار .. فى الشارع لم أجدها ... فطاش عقلى !!! فين بنتى ؟؟ فين فلذة كبدى ؟؟ أين هى ؟؟!! أين ذهبت ...؟؟

و بدأت رحلة البحث عنها فى كل مكان ... لا يهدأ لى بالا و لا تجف لى دمعة ... بنتى ضاعت ... حتى وصلت إلى مكان و قد أحاطت بى النيران من كل جانب و إذا بالبيوت و المنازل تسقط و تهدم ..... رجالا و شيوخا ... أطفالا و نساء ... قد تحولوا إلى أشلاء ... هو ايه اللى بيحصل ؟؟؟ ... أصابنى الهلع و الخوف .. و بدأت أنظر فى أشلاء الأطفال محاولا البحث عن إشارة .. أو علامة ... محاولا البحث عن ابنتى ... و لكنى لا أستطيع أن أنظر ... مش قادر أبص و لو مجرد نظرة واحدة ... لا أستطيع أن أتصور مدى بشاعة و قسوة المشاهد فلم أجد سوى دماء الجرحى و الشهداء من حولى !!!



و وسط تلك الأحداث ووسط بكاء النساء و الأطفال و حيرة و ذهول الرجال ... إذا بسيارات الإغاثة قد بدأت فى الظهور ... قلت فى نفسى لعل ابنتى قد قتلت أو أصيبت فى أسوأ الحالات و انتقلت فى واحدة من تلك العربات ... فإذا بالنساء و الجرحى يستغيثون بنا فحملت أحد المصابين و كانت طفلة فى عمر ابنتى و أدخلتها سيارة الإسعاف و ركبت معها هى و أمها التى فقدت كل أفراد أسرتها من جراء القصف و على وشك أن تفقد آخر من تبقى لها ... ابنتها الصغيرة !! .... ثم انتقلنا معا إلى المستشفى الرئيسى

و ظلت الأم تبكى و الطفلة الصغيرة تنتفض و تصرخ من الألم .... ربما فى تلك الأثناء و فى أرض الضياع و القتل قد نسيت ضياع ابنتى ... فقلت للمرأة يا أختى اصبرى .. و احتسبى .. متخافيييش إن شاء الله .. بنتك هتقوم بالسلامة و هتكون بخير فسكتت لبرهة و نظرت إلى ثم لم تستطع أن توقف سيل دموعها ... وبدأت انظر فى وجه الطفلة الذى ضاعت ملامحه و امتلأ بالدماء ثم نظرت إلى أمها و قلت هونى عليكى فوالله كم أحببت تلك الطفلة كابنتى و لن أترككما حتى تكونا بخير ....

و فى الطريق كنا نسمع أصوات القصف و المدافع و النيران من حولنا و قد أصاب الظلام نور الشمس بسبب الأتربة و الدخان المتصاعد من الدمار المنتشر فى كل جانب ,, وعند الوصول إلى المشفى .. حملنا الطفلة إلى الداخل مسرعين إلى غرفة العمليات و لكن أوقفنى هول منظر أعداد المصابين و الشهداء داخل المشفى .... و بعد فترة خرجت الطفلة و قد ضمدت بالكامل و لم يظهر منها إلا العينين .... فنظرت إلى عينيها و كأنى بعينى ابنتى تنظر إلى عندما تبكىو كأنها تريد ان تقول لى شيئا و لكنها لم تستطع من قسوة الألم ... ثم تركتها هى و امها فى أحد عنابر المشفى المكتظ و ذهبت إلى الطبيب أسأله عن حالة الطفلة .. قال لى حالتها جد خطيرة ... تضرر جسمها بالحروق و الاصابات ... الله معها ..


لم أتحمل تلك الكلمات فجلست على الأرض من شدة الموقف و امتلأت عيناى بالدموع ... و قلت فى نفسى حمدا لله أنها ليست ابنت.... و لكن لم يطاوعنى قلبى أن أكمل ,,, ثم تذكرت لماذا لا أبحث عن ابنتى وسط الجرحى و القتلى ... ولكنى لم أجدها ثم ذهبت إلى العنبر لاطمأن على الطفلة و أمها و فى تلك الأثناء انقطعت الكهرباء فى المستشفى و خيم الظلام و الذهول و الحزن تراه فى وجوه من حولك ... و بدأ الخوف و الوهن و الضعف يتسرب إلى قلوب الكثيرين و أصاب الناس حالة من الاستسلام .......


و فى تلك اللحظات الخانقة كسر الظلام صوت أحد الرجال الصادقين قائلا الله أكبر .. الله أكبر ... و الله لن نستسلم أبدا ... و الله لن نستسلم أبدا ... لن نكون إلا منصورين أو شهداء بإذن الله ... و صاح آخر و الله و الله للموت أفضل لى من تلك الروح الباءسة اليائسة .. و الله ما زادتنا تلك الصواريخ و تلك القذائف إلا كرها و إصرارا على المقاومة و دفاعا عن ديننا و اهلنا .. فصاح كل من فى المشفى ... الله أكبر ... الله أكبر ... ألا إن نصر الله قريب ... الله أكبر ... الله أكبر ... ألا إن نصر الله قريب ... و إذا بالطفلة تبكى تحاول أن تنطق جاهدة و تردد معنا الله أكبر .. الله أكبر .. ألا إن نصر الله قريب .... حتى ماتت !!!!!


فانتفضت إليها و أمسكت بها ... لا تموتى ,, لا تموتى ... ألا تسمعى ما يقولون ... ارجوكى لا تموتى رددى معنا .. قولى معنا .. الله أكبر ,, الله أكبر ..... و إذا بأمها تمسك بى قائلة هون عليك يا أخى !! إنها شهيدة عند الله ... ثم سكتت و أتبعت كلامها قائلة و الله لقد أحببت تلك الطفلة كأولادى !!! و فجأة أصابنى الزهول و جفت دموعى لم أدرك ما قالت للوهلة الأولى ثم بدات أنظر إليها و أخلع عنها الضمادات فإذا بها ابنتى .... ابنتى !!!! .... فانفجرت فى البكاء ... ابنتى .. بنتى حبيبتى انتى كنتى فين !! انا لقيتك خلاص .. انا لقيتك اهوه ... هنرجع نلعب مع بعض تانى و نصلى مع بعض تانى ... ابنتى هاقد وجدتك أخيرا .. ابنتى ياليتنى فهمت نظراتك لى ... و الناس من حولى يكبرون و يدعون لها بالرحمة و لأهلهم بالنصرة و على العدو بالذل و الهوان

فحملتها و ضمتها إلى صدرى فانتعش قلبى و فكرى و قبلتها القبلة الأخيرة ... ثم وضعتها مرة أخرى و قلت للمرأة أختاه .. أرجوكى اعتنى بها حتى أرجع ... فقالت لى .. أين ستذهب ؟؟ ... قلت كفانا صمتا ,, كفانا هوانا ... ثم رددت قائلا : الله أكبر .. الله أكبر .. ألا إن نصر الله قريب

1 التعليقات:

Ahmed Khalil يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم :
"أولم يرَوا أنَّ الله الذي خلق السماواتِ والأرضَ ولم يَعْيَ بخلقهنَّ بقادرٍ على أن يُحيِيَ الموتى بلَى إنَّهُ على كلِّ شيءٍ قدير "
صدق الله العظيم